Saturday, 22 June 2013

المتمرد و سمك الجري -القراميط-


المتمرد...... وسمك الجري (الاراميط)

طالب مراد

·        انطلقت في اسي وحزن بالغ باحثة عن اشلاء زوجها في كل مكان "بالنهر العظيم". وتمكنت وهي تجري لاهثة فوق امواج النيل من جمعها كلها.. "باستثناء قطعة ما (الذكر)"، كانت قد ابتلعتها سمكة الانومة (الحقيقه كانت سمكة القرموط – الجري لان فم سمك الانومه ضيق جدا وانبوني). وبمساعدة اختها  "نفتيس"  وابنها  "انوبيس"  رب الجبانات (المقابر) تمكنت من اعداد مومياء اوزيريس، (الاولي عبر التاريخ كله) وتحنيطها، وعمل الطقوس اللازمة، ولفها بالضمادات ودفنها بمكان فائق السرية حتي يحظي زوجها بالخلود والابدية في العالم الاخر.

·         ولم تتوقف اسطورة حب "ايزيس واوزيريس" عند هذا الحد فقد انطلقت "ايزيس " إلي احراش البردي، وعاشت بها، متسترة خلال التسعة اشهر - فترة حملها - بعيدا عن اعين الشيطان "ست" وهناك، انجبت "حورس" وهيأته ليكون وريثا لعرش ابيه "اوزيريس"..ان ايزيس لجديرة حقا بهذه الترانيم الجميلة: "ايزيس..انت، انت ربة الارض التي جعلت قدرة المرأة تتساوي مع قدرة الرجل". أو : "كان قلبها اكثر شجاعة وفطنة من مليون رجل".  هذه الاسطوره وقبل اكثرمن ستة الاف عام صنف سمك القرموط" الجري" ضمن المحرمات عند المصريين القدماء.

تقول أسطــــورة نوبية , ان النوبى الاصيل لا يأكل من سمك " الجري-القرموط" , حتى وان كان سيموت من الجوع , لأن جد النوبين الاول فى بداية تشكيل الارض , عندمــا كان هناك فقط النوبى الذى وجد على هذه الارض ليعمرها (ادم  الاصلي حسب الاسطوره), تمهيدا لاستقبال باقى البشر على هذه الدنيــا , قد اكــلته سمكة " جري- قرموط" ضخمــة , ومنذ هذا اليوم , وبعد مرور سنوات تحسب بالالاف لا يـــزال النــــوبى محرمــا عليه لحم هذه السمكــة, طبعا الأسطورة تحمل فانتازيــا واضحة ,

ولكن "افندية " النوبيين الان وبعد مرور الاف السنين على الاسطوره يعزون  السبب وراء وقائع الأسطورة أن سمك "القرموط" يعتبر خنزير الاسماك , فهو يأكل كل ما يصادفه فى طريقه, حتى ان تركيبه التشريحــى يحتوى على طبقة عظمية عكس كل الأسمـــاك التى تكسى اجسامها بحراشيف وقـــشور يقال ايضا ان القرموط يحيض ؟( اتهم الارنب بنفس التهمه من قبل احدى الطوائف الاسلاميه). كان قدماء المصريين يطلقون علي بلاد النوبة بلاد كوش حيث يعيش شعب النوبة، وهي تمتد من أسوان وحتي مدينة سوبا التي أصبحت تعرف باسم الخرطوم وحيث قامت ممالك إمتد نفوذها علي وادي النيل مرورا بمصر والأردن.

قبل ظهور الديانه المسيحيه بخمسة قرون اوصى موسى شعب اسرائيل في "كتاب التورات القديم " بعدم تناول اطعمه كثيره وصنف الاطعمه التي يجب ان تدخل والتي لايجب  ان تدخل الى جهاز هضم اليهود. حيث حرم اكل لحم الخنزير لان هذا الحيوان لايجتر رغم ان له اظلاف مثل  اظلاف الماشيه ولم تكن االاسباب التي تذكر الان لعدم اكل الخنزير معروفه انذاك وحرم موسى على اليهود  اكل الابل لكونها لاتملك اظلاف مشقوقه مثل المجترات رغم انها من الحيوانات المجتره . كما حرم على اليهود اكل  اي مخلوق مائي لايملك الحراشف والزعانف وهذا بطبيعة الحال يشمل الجري وكائنات بحريه اخرى.

لم يتناول الكنعانين والفينيقين لحم الخنزير علما بان حظاراتهم وجدت قبل تعاليم موس باكثر من الف عام وديانتهم كانت عباره عن مجموعه من طقوس وعبادات خاصه بهم  .

·        لم ياكل المصريون والنوبيين القدماء واليهود سمك "الجري" بسبب هذه الاساطير التي اقنعهم بها كهنة عصرهم على انها تعاليم من الاله رغم وجود هذا النوع من السمك بكثره في النيل. نعم لقد حرم المصريين انفسهم من هذا الطعام اللذيذ لان كهنتهم اعتمدوا على اسطوره "اوزيريس" والتي تعود لعصر سحيق للغايه على ارض مصر, عصر سبق ملحمة كلكلمش بالاف السنين وجاء موسى ليعزز موقف الاساطير القديمه بقائمه اللاهيه طويله من الممنوعات.

·         وقد سبق وان ناقشت انا شخصيا قائمه  موسى والملابسات العلميه فيها وتصنيفه الغير دقيق للحيوانات معتمدا على عملية الاجترار وشكل الاظلاف والاقدام والحوافر,ضمن مقدمة اطروحة دكتوراه  قدمتها لجامعة ليفربول عام 1974 وكانت حول موضوع  فسيولوجي جهاز هضم المجترات. أن الديانه الاسلامية التزمة بتعاليم وتوصيات موس بحذافيرها وبعد مرور اكثر من الف عام على توصيات موسى تبنى المذهب الجعفري من دون المذاهب الاسلاميه الاخرى وحرم اكل لحوم الارنب والارنب البري والجري مستندتا على تفسيرات النبي موسى في كل مايدور حول الغذاء.الا ان الاسلام  اهمل تعاليم وتوصيات موسى بعدم اكل لحوم الابل وذالك لان الابل كانت من اهم الحيوانات الشائعه في الجزيره العربيه مهد الحضاره الاسلاميه.  كانت ألصقها بحياتهم في مطعمهم من لحمها ومشربهم من ألبانها ، وملبسهم من أوبارها وجلودها ، وفي حلهم وترحالهم بالحمل عليه . أن تطبيق تعاليم موسى في الجزيره العربيه انذاك كانت ستودي الى مجاعه وكما كانت المياه هي اصل حضارة العراق فان الابل كانت  عنصر البقاء في الجزيره . 

·        لااعرف ماذا ستقول البشريه والاجيال القادمه عن جيلنا الحاضر وتعاويذنا وممارساتنا الدينيه ومعتقداتنا,  نعم ماذا  سيقولون عن كهنتنا الحاليين واساطيرهم  وخرافاتهم وكيف يتحكم هولاء بمقدراتنا باسم الدين ومشتقات الدين و كيف يصنفون الانسان على هواهم ويوزعوننا ويصنفوننا  على الجنة والنار  ونحن مازالنا على الارض ويعينون انفسهم سماسره بين البشر والخالق سبحانه وتعالى.  ان الاجيال القادمه  ستحكم و لربما تتهكم على عاداتنا وطقوسنا ومعتقداتنا هذا لواستمرت بقاء البشريه ولم تفنيها    الحضاره  الحاليه  بما تم من اختراعه لحد الان من وسائل تدمير عسكريه و تخريب للبيئيه.

·        ألغريب  وحسب علمي ان الديانه المسيحيه لم تقترب من "منيو-قائمة الطعام" الاغذيه ولم تلتزم بتعاليم النبي موسى وسمحت للمسيحين بتناول مايشتهون من اكل وشرب وقدموا في انها حلولا ناجحه لازمة الامن الغذائي.

·         واتذكر جيدا كنت في مهمه  لتقصي الحقائق للامم المتحده في دول افريقيه ايام جفاف وقحط  1991 وفي  جمهورية ملاوي وبعد مضي يوم مضني في  العمل الشاق ومن دون طعام ,تمكنا عصرا من الوصول الى شواطى واحة ملاوي وانتهى بنا الامر, انا و زميل سوداني الدكتور بناكه والسائق الملاوي , في كشك من الصفيح  . وطلبنا طعاما من القدر الكبير و الوحيد الموجود في المطعم/المقهى  لحظات واذا بثلاثه صحون المنيوم كبيره كل منها يتوسطه قطعه كبيره من لحم "الجري" المسلوق  القيت على طاولتنا ومن دون اي شي حتى ولا ملاعق وسكاكين. وحسب تجربتي فلو صنفنا الجوع الى انواع فان الجوع الافريقي هوالاقسى لذا هجمنا على ما قدم لنا ناخذ قطع منها نقطعها باصابعنا ونلتهمها. وبعد ان اشبعنا قسم من "عصافير بطوننا" لاحظت ان السائق الافريقي لم يمد يده للطعام وكان على مايبدو مشمئزا من طعامنا والذي لم نجد غيره لناكل وعلى طول مئات الكيلومترات التي قطعناها  ذالك اليوم. وعندما سالته لما ذا لاياكل معنا قال" انا مسيحي" و هنا نظر زميلي السوداني  لي وضحك.

علما ان الديانه المسيحيه لم تتطرق الى "منيو" الجهاز الهضمي للانسان مبتعدتا عن التعاليم اليهوديه وكذالك لم تتطرق المسيحيه  باي شكل من الاشكال الى الجهاز التناسلي وملحقاته  للنساء والذي ذكر بكثره  ممله في الدين والمذاهب الاسلاميه واصبح الشاغل الاوحد لفتواى ثلة من مما يسمون "بعلماء" المسلمين ومن المخجل  ان هذا الموضوع المناهض لروح العصر يتزايد واصبحنا نسمع لفتاوى ما انزل الله به من سلطان.

أن سبب ضحكت زميلي د. بناكه اثناء الاكل في الكشك  كانت لانه في يوم سابق كنا واثناء عملنا  في سوق لمدينه صغيره واقعه على نفس الواحه وهناك راينا سمكة جري كبيره جدا تباع بالقطاعي وفي وقتها تبرعت لزميلي ببعض المعلومات عن السمكه المقطعه والملقيه على الارض. كما اخبرته بانني كشيعي يحرم علي اكل لحم هذا النوع من السمك. اعتقد  بان المعلومه الاخيره التي استلمها مني صدمته ولم يكن يتوقعها واراد ان يعرف السبب لماذا حرم علي الجري؟ فقلت له ان السبب يعود الى خرافه وهي انه كان الامام علي عليه السلام يتوضا فقفزت سمكة "الجري" وتوسخ الامام علي عليه السلام بسببها. نعم لقد ضحك للطريقه التي كنت التهم قطعة السمك التي القاها صبي المطعم على طاولتنا متذكرا ماذكرت قبل يوم.

و في مراهقتي وشبابي كنت اسكن قريبا من منطقة باب الشيخ في بغداد حيث كان يعيش ولاجيال ابناء ملتي وليس ببعيد عنا وقريبا من مقبرة الامام الكيلاني كانت توجد عدة بسطات لقلي وبيع سمك الجري وبسعر رخيص لان سعر هذا النوع من السمك كان رخيصا في العراق اذ كان الصيادون الشيعه في جنوب العراق والاهوار حيث تتواجد هذا النوع من الاسماك بكثره يلقون بصيدهم من هذا النوع من السمك على الشواطى للتخلص منها وكانت هنا طبقه من صيادي "البراري- او الجرف" وكانوا عادتا من السنه ومن لهل وسط العراق والذين كان صيدهم عباره عن جمع اسماك  الجري التي حذفها الصيادين الشيعه على الشواطي. ويمكننا القول ان هذه السمكه الملعونه هي من اسعرت الفتن الطائفيه في العراق بعقود قبل تشكيل المليشيات الطائفيه في العراق .

أن هذه السمكه وعبر الاف السنين وعبره سلسله من الحضارات المختلفه  كالمصريه القديمه والنوبيه و اليهوديه والمسيحيه انتهت في مقلات كبيره تباع قريبا من سكني وبسعر رخيص حتى انا وبمصروفي اليومي البسيط كنت قادرا على شراء قطع منها مع زملائي واقربائي  وابناء جيلي اللذين حرم علينا مذهبنا الشيعي تناولها وكنا نشتري و نخبى هذه الممنوعات في تلافيف ملابسنا.  كانت قطع الاسماك تلك تلف بورق الجرائد(مثل الفيش والجبس البريطانيه) ونجتمع  في سطح بيت احدنا  سرا وبكل حذر خوفا من الكبار . وكنا  ناكل السمك المقلي معلنيين تمردنا على ذوينا واولياء امورنا, كما يتناول هذه الايام المراهقين والشباب الدخان والكحول ومحضورات اقوى معلنين تمردهم على كل ما هوغير مسموح.

أن اكل سمك "الجري" سرا  علمنا اخذ الخطوات الاولى  في طريق التمرد والتحدي على ماكان سائدا انذاك. وان تلك السمكه كان لها الدور في خلق الابداعات و التفكيربالتغير بين ابناء جيلنا في الاحياء التي كنا نسكن فيها.

No comments: