Monday, 26 March 2012

طالب مراد: لو كان للفيليين مكان في كوردستان لبنوا مدينة تضاهي السليمانية

طالب مراد: لو كان للفيليين مكان في كوردستان لبنوا مدينة تضاهي السليمانية ومظلوميتهم الاكبر في الشرق الاوسط


شفق نيوز/ على الرغم من كل المآسي والويلات التي جرتها سياسات الانظمة السابقة في العراق على شريحة الكورد الفيليين كمكون اصيل من مكونات الشعب العراقي ومحاربتها لها في عيشها على وطن الاباء والاجداد وحرمانها من استكمال تحصيلها العلمي في الجامعات والمعاهد العليا، بل وحتى قتلها وتهجيرها لهم، لم يعشش اليأس والقنوت في نفوس وعقول وقلوب الكورد الفيليين، فما دعوا ادنى فرصة لزيادة التحصيل العلمي والاجتماعي تفوتهم، فنبغ منهم الكثير ممن تركوا بصمات واضحة على واقع الحياة في كافة ميادينها.

ضيفنا هذه المرة عاش اجواء تلك الظروف وذاق مرارة المحاربة والتهجير والغربة وصعوبات العيش، غير انه واجهها بكل تفان وحرص وصنع له اسما في احدى المجالات الحساسة التي تتعلق بالامن الغذائي وعمل في الهيئات الدولية وعاد لكوردستان بعد تحريرها والعراق من النظام الدكتاتوري السابق وهو يشغل منذ سنين منصب رئيس مستشاري الامن الغذائي لرئيس حكومة اقليم كوردستان، نحاول في هذا اللقاء ان نفتح معه ملفات لعلها تساهم في فهم بعض جوانب قضيتنا الازلية علها تمنع عليها البقاء في فلك الابدية.
س/ انتم تنتمون لفئة من الكورد الفيليين، تخصصتم في مجال اكاديمي وغيركم كثير، نراكم مبعثرين بين دول تحتضن المواهب والعقول من دون النظر الى ألوانهم او أجناسهم وبين دول قتلتهم أو همشتهم على أقل تقدير، وفيكم من وجد نفسه في إقليم كوردستان ويعمل بصمت، كما هو الحال مع شخصكم، ما الذي يمنعكم من الانضواء تحت مسمى يدافع عن هوية ووجود الكورد الفيليين؟ هل هي السياسة؟ ام عدم وجود الدافع والرغبة؟ ام ماذا؟
- نعم هذا صحيح والشيء الكارثي الذي وقع على الفيليين هو تشتتهم، لأن الفيليين حالياً متوزعون بين 40-50 بلدا وهذا كان له ردود سيئة جدا، وبالمقابل هناك بعض الحسنات يجب ان نذكرها؛ فأولادهم اكملوا الدراسة وكثير منهم توفقوا بالتعليم العالي، وهذا دليل على انهم شريحة ذكية جداً، وهم أثبتوا قدرتهم التامة في وجودهم في أية جامعة. ويوجد عدد هائل منهم بروفيسورية (اساتذة) في اكثر من جامعة واماكن اخرى، أما في بغداد فلا أعرف طبعا، فالأحزاب الدينية على ما يبدو لها دور كبير في جذب العناصر الفيلية، وهناك من يعمل بصمت، وهم عدد قليل جدا موجود في حكومة إقليم كوردستان، ونحن نعمل بصمت لأن المجالات التي نعمل فيها هي مجالات فنية ليس لها علاقة بالسياسة او بقضايا الفيليين، لكن هذا لا ينسينا اننا قبل كل شيء كورد وثم فيليون ومن ثم شيعة والعمل بصمت ليس لعدم وجود الدافع او الرغبة بل توجد لدينا رغبة شديدة ونحن نحس بها اكثر من اي شخص اخر من الشريحة، ولكن الناس الذين نتعاون ونعمل معهم والمتواجدين هنا حالياً في كوردستان بحاجة الى ما يسمى حسب رأيي وبأطار جديد "تواصل اجيال" بما معناه: نحن عندما كنا ندرس في الجامعة ما بين اعوام 1962-1970 كان العديد من الطلبة الكورد يدرسون معنا في تلك الفترة وفيهم الآن من يدير الامور السياسية والادارية في الإقليم وبقي القليلون منهم في جامعة بغداد، وكانوا في تماس مع الفيليين ويعرفونهم واصدقاءهم، ولكن بعد مرحلة السبعينيات وفي فترة الثمانينيات والتسعينيات انفصلوا، ولم يعد هناك تواصل بين الجانبين، فظهر جيل جديد، كلما يتم التطرق الى الكورد الفيليين يقول (الاخوة الشيعة) وهذا الشيء مهين جداً، عندما نوصف من قبل بعض الناس بهذا الشكل وهذه الظاهرة أسميها (انقطاع) الاجيال، ولم يتطرق احد عن هذه الظاهرة بالبحث والدراسة لتبيان الاسباب، انا اقول ان هناك مشكلة في تواصل الأجيال ويفترض بنا، نحن الفيليين، ان نفهمها، ويفترض بالسياسيين (القدماء) في كوردستان ان يفهموها، لان الجيل الجديد لا يعرف شيئاً عن الفيليين نهائياً، بينما هناك جيل كامل عاش معنا؛ فالذي يعرف عادل مراد واتحاد الطلبة وكل السياسيين القدماء، يعلم اننا تربينا معاً، فعندما كنا في جامعة بغداد كنا نعرف جميع الطلبة، وفي الصيف كنا نذهب الى العديد من مدن كوردستان، ولكن حالياً هناك فرقا شاسعا أدى الى نوع كبير من الانقطاع في (تواصل الاجيال).
س/ الكورد بصورة عامة وبقية ابناء العراق من كل الاطياف التي عانت من ظلم النظام السابق، استطاعوا ابراز قضاياهم وحصلوا على معظم حقوقهم، الا ان الكورد الفيليين، وعلى الرغم من وضوح قضيتهم واعتراف الجميع بها، لا زالوا بعيدين عن آفاق الحل ومحو آثار الماضي، سواء من جانب حكومة بغداد او حتى حكومة إقليم كوردستان، ما الذي يمكن للفيليين ان يفعلوه ليكسروا هذا الجمود ويضعوا اقدامهم على الميدان ويكون لهم صوت مسموع؟
- التعريف جزء من واجبنا نحن الفيليين، دعنا نكون واضحين وجديين جداً، فالتكتلات التي ظهرت على الساحة السياسية، خصوصا هي ذات طابع ديني وطبيعي ان يتأثر بها بعض الفيليين ممن يريدون العمل بالطريقة التي تعجبهم، فقام بعض الناس باستغلال هذه المسألة وكبّر هذه القصة واعطى للمسألة اكبر من حجمها حتى اظهر الامر وكأن الفيليين دخلوا ضمن الاحزاب الدينية او احزاب اخرى؛ ومن حق الانسان ان ينتظم الى اي مكان يرغب؛ ولكن هذا الامر تم استغلاله، فمثلاً انا رئيس مستشاري رئيس الوزراء لأمور الأمن الغذائي والزراعة وليس لعملي علاقة بقضيتنا، ولكن هذا لا يمنعني ان اقف واتكلم عن قضايا شريحتي لأنني ارى مظلوميتهم أكثر من أي شخص آخر وأنا شخصياً قتل النظام السابق والدي في 1 / 1 / 1974 امام منزله وتم تدمير أسرتنا وهناك الآلاف من الأسر الأخرى أيضاً ونحن والحمد لله وضعنا أفضل من الكثير، فهناك أناس فقدوا أولادهم وبالعشرات منهم ماتوا.
في احدى المرات تم تكليفي علاوة على مهامي الوظيفية ان آخذ على عاتقي ملف الكورد الفيليين، وقمت في حينها بالتكلم مع زعماء الكورد الفيليين في أربيل وهم معروفون، وانا اقصد الزعماء القدماء، وقمت بجمع مجموعة من الملفات وقدمتها وضاعت جميع الملفات فلم تعط اولوية لهذه الملفات ولا احد يستطيع ان يصرح هذا الشيء غير صحيح فانا استطيع ان اثبت وبالارقام ان كلامي صحيح بهذا الخصوص، فنحن لدينا مشكلة كبيرة اذ لم نحصل على شيء لا في حكومة المركز ولا في كوردستان وكما يقول المثل المصري (خرجنا من المولد بلا حمص)
س/ بين القومية والمذهب تتناوش الكورد الفيليين تيارات وموجات من الافكار والاهواء ليس بينها رابط سوى لهجة ضائعة تتقاذفها مشاكل التسمية والجغرافية السياسية والشعور بالقصور لانعدام فرص التعلم والتعليم، وطرح البعض مأوى بديلا في الإقليم ويرى الاخر في الثبات في المكان منجى لهم، انتم مع أي الاتجاهين وكيف تبررون الجواب؟
- بما ان الناس في كوردستان يتكلمون حاليا عن حق تقرير المصير في يوم من الايام، فدعونا نعط قطعة من الارض الى الكورد الفيليين في گرميان او في داقوق، وهذه المناطق المستقطعة من كركوك بدلا من ان يقوم بشرائها أناس أغراب بسعر التراب، فلنعطها الى الفيليين ليبنوا مدينة لهم وانا أؤكد لك انه بغضون 10 اعوام ستضاهي مدينة عصرية كمدينة السليمانية؛ لأن الفيليين يمتلكون الذكاء والاستعداد والحيوية، وانا طرحت هذا الموضوع عدة مرات، إلا أن بعض الناس يتناولون الامر بالاستخفاف، ولكني حسب ما اعتقد انه اذا اراد الكورد وكوردستان في يوم من الايام ان يقرروا حق تقرير المصير وهذه الاراضي المستقطعة مثلاً في گرميان او في كركوك ادعوهم ان يقرروا جعل منها مدينة للكورد الفيليين فهناك آلاف الحضارات قد اختفت وليس من الضرورة ان تبقى موجودة ابدا، ففي تركيا كان يوجد 120 قرية للايزيديين ولكن كمال اتاتورك قام بقتلهم ولكن لم يختفوا وحتى الارمن كذلك تم قتلهم ولكنهم موجودون، فهم قاموا بتغيير أماكنهم، فنحن الى متى نبقى معلقين بقضية الشورجة وشارع الكفاح والشيخ عمر، انا أذكر في شبابي ان بغداد كانت تمتد من شارع الشيخ عمر كانت السدة هناك الى نهر دجلة لا يسكنها غير الفيليين فقط وهذا يعني ان الجهة الشرقية من بغداد كانت (فيلية) والسدة كانت الى هنا الى ان جاء عبد الكريم قاسم وقام بإنشاء قناة الجيش وافتتح مدينة الثورة او ما يسمى حالياً مدينة الصدر التي تسع حوالي 3 او 4 ملايين او لا اعلم العدد بالتحديد، ولكن المنطقة الممتدة من خلف السدة الى نهاية الرصافة كانت مأهولة بسكانها الفيليين فقط، ان العالم قد تغير الآن ويجب ان نجاري التغييرات التي تحدث، ففكرة المدينة للكورد الفيليين ضرورية جداً وحالياً كما تعلمون هناك طلبات لإنشاء الإقليم ومنها صلاح الدين وديالى ايضاً طالبت بإنشاء إقليم وهذا معناه قتل بقية اقربائنا وابناء عمومتنا في المدن التابعة لديالى، وهذه هي مشكلة اخرى سوف تواجهنا، فنحن نؤيد انشاء الإقليم، ولكن هذا الإقليم يأتي على حساب شعبنا والفيليين خصوصاً، فيجب علينا ان نكون مستعدين، فنحن حالياً أيدينا مكبلة فنحن لدينا في برلمان إقليم كوردستان ممثل واحد، وفي بغداد لدينا بعض البرلمانيين ولكنهم منخرطون ضمن احزاب اخرى ليس لديها اوليات بالنسبة لقضية الكورد الفيليين، فهذه قصة مهمة جداً يجب الاهتمام بها، وهناك ايضاً المادة 140 من الدستور العراقي وطبيعي ان الاجزاء الاخرى من كركوك في داقوق وفي اماكن اخرى موجودة جنوبها، وهي تكملة لبعضنا الاخر، فيمكن ان تحل بطريقة أحسن ويمكننا ان نساعد في المناطق المتنازع عليها اذا قررنا نحن ان نبني ديارنا هناك.
س/ تخصصتم في مجال خطير ومرتبط بما يديم للمواطن عملا ليس له نضوب وليس بالمقدور الاستغناء عنه، وهو مجال الغذاء والزراعة، ولنا نحن الفيليين كما تعلمون مساحات شاسعة من اخصب الاراضي، لكنها بين كماشة "المتنازع عليها" وسندان "المادة 140" والضائعات من ثرواتها لا يمكن حساب مقاديرها، بوصفكم على ارتباط بالناس والارض المتنازع عليها هل حاولتم لفت الانظار اليها للسياسيين الذين لا ينظرون اليها الا على اساس الهيمنة؟
- بحكم عملي وخبرتي وعملي مدة طويلة (36) سنة في الامم المتحدة وعملي في حوالي 32 بلدا ولدي خبرة في هذه المجالات ولكن هنا بعض الاحيان يقال (العين بصيرة واليد قصيرة) فماذا نفعل فنحن لسنا بصاحبي مسؤولية فنحن مثل الهدهد نقوم بإخبارهم فقط وانا اعتقد ان الساكت عن الحق شيطان اخرس كما يقال، فنحن مظلومياتنا اكبر من اي طبقة في العراق وفي الشرق الاوسط جميعه.
طبعاً هذه المناطق متضررة اكثر من غيرها لاننا نملك ما بيننا وبين ايران حوالي 44 نهرا وجدولا جرى قطع مياهها جميعا والضرر الاول من هذه العملية هو علينا، والعاملون بالسياسة عند لقائهم مع رئيس الوزراء او أي وزير لا يتكلمون عن الاراضي والمياه المقطوعة؛ وانما يتكلمون عن قضايا ثانوية اخرى، تشكل بالنسبة لهم اولوية، فنحن متضررون واذا ظهرت قضية انشاء الاقاليم الاربعة او الخمسة اقاليم الجديدة فنحن المتضرر الاكبر من هذه العملية، نحن نملك كوادر ولدينا اساتذة في بريطانيا، واقترح ان يكون اثنان منهم رؤساء جامعات وهم لديهم القابلية ليكونوا من احسن رؤساء الجامعات، لكن الرد الذي جاءني يقول بأن البعد الاجتماعي لديهم قليل! ماذا يعني البعد الاجتماعي لديهم قليل؟ هل نحن كورد ام لسنا كذلك؟ فماذا تعنون بالبعد الاجتماعي، وأنا ارجع وأؤكد على الفاصل الذي حصل بين الاجيال وتواصلهم، فالتواصل بين الاجيال مهم جداً لان الجيل الجديد لا يعرف الجيل القديم نهائياً.
ان الكورد الفيليين لهم تاريخ من النوع الداكن، ويجب عليهم ان يقبلوا بالتغيير، فاقول ان أهم شيء بالنسبة لهم ان يبنوا لهم مدينة في گرميان او في المناطق المتنازع عليها ضمن المادة 140 لانهم يملكون كل الامكانيات.
س/ كأكاديمي مثقف وخضتم في السياسة وخبرتم العمل في القطاع الحكومي، كيف تستشرفون آفاق المستقبل للكورد بصورة عامة والكورد الفيليين، في دائرة اضيق، تفاؤلا كان ام تشاؤما؟
- هناك حقيقة يظهر انه لم يلتفت اليها احد وهي ان الكورد داخل العراق العربي يشكلون القومية الثانية واغلبهم من الفيليين، اذاً، فنحن القومية الثانية داخل العراق العربي، وهذا الشيء مهم جدا،ً فعلى الرغم من كل الكوارث والمآسي التي تعرضنا لها وعلى الرغم من القتل والتسفير والتهجير لم نختف في ليلة وضحاها. اما التغييرات الجديدة في المنطقة فهي طامة كبرى حالياً لا يمكننا ان نتكلم عنها، غير اني متفائل جداً بأن الامور ستسير نحو الأحسن والبركة بالشباب.
حاوره / ماجد السوره ميري

No comments: