Friday, 30 September 2011

الاستعمار الجديد الزراعي والامن الغذائي-6

يتسلم النهران العظيمان الأزليان بالعراق حوالي 14 (أربعة عشر) مليار متر مكعب من الماء سنويا،ً والعهدة في هذا الرقم على الحكومة التركية. لقد زار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بغداد مؤخراً، ووقع 48 معاهدة مع حكومة بغداد، استقبل وودع بكل حفاوة..ولكني لا أعتقد أن مشكلة المياه كانت من أولويات هذه الاجتماعات وحفلات التوقيع تلك. وقد تابعت الموضوع قبل وأثناء وبعد الزيارة فلم أسمع أحداً يتكلم عن مياه العراق اللهم إلا النائب كريم اليعقوبي عضو لجنة المياه في البرلمان، وأنا أحييه على موقفه الواضح من الموضوع وتحذيره من "كارثة مائية " سيشهدها العراق طالما بقت مسألة حصته المائية أمرا لا يثير نخوة رجال السياسة عندنا للتطرق له .

فلو قارنّا ما تقوم به الحكومة المصرية مثلا لحفظ حقها في مياه النيل، وما تقوم به الحكومة العراقية بخصوص مياه دجله والفرات. لوجدنا أن نهر النيل يمر بتسع دول قبل الوصول إلى مصر،التي يصب فيها 55 مليار متر مكعب سنويا. ومع هذا تبقى مصر هي صاحبة حصة الأسد في مياه النيل رغم كونها دولة المصب. أما مياه دجلة والفرات معاً فهي أقل من ربع ما يجري في نهر النيل. وتعد مياه النيل من "الخطوط الحمراء" بالنسبة لجيش وحكومة مصر. وفي الآونة الأخيرة عرضت الحكومة الإثيوبية أربعة ملايين ايكر من الأراضي الزراعية للبيع أو الإيجار طويل الأمد، وذلك حسب جريدة WASHINGTON POST يوم 22/10/2009. وهذه ليست المرة الأولى التي تعرض فيها أثيوبيا أراضٍ زراعية لمن يدفع أكثر. وكجارتها السودان أصبحت أراضيها مشاعة لمن يدفع أكثر وهما الدولتان الرئيسيتان اللتان تستلمان المساعدات الغذائية من الدول المانحة والأمم المتحدة مباشرة. وينبع ويمر نهر النيل فيهما.

وبعد إعلان نية إثيوبيا بيع أراضيها بدأت حملة مكوكية لوزراء مصر من القاهرة إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا؛ فخلال الأسبوع الماضي ذهبت إلى هناك وزيرة التعاون الدولي ثم تبعها وزير الزراعة وسيتبعهم رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف خلال الأيام القادمة. إن السبب الرئيسي لهذه الزيارات هو خطة إثيوبيا لبناء عدد من السدود على أراضيها، كذا بيعها لملايين الايكرات من الأراضي الأثيوبية لدول وشركات عالمية.وبالطبع ستغير هذه الحيازات أو الملكيات الجديدة من الطرق الزراعية التقليدية إلى زراعة مكثفة، والتي تحتاج إلى مياه كثيرة من نهر النيل بالأساس، وربما من نهري جوبا وشبيلي اللذين يسقيان الصومال. ومن هنا نفهم لماذا يقلق هذا الموضوع المصريين كثيرا، فرغم أن معاهدة 1929 لحوض نهر النيل تعطي حصة الأسد من مياه النهر لمصر رغم الحقيقة الماثلة بأن 85% من مياه النهر نفسه تنبع من المرتفعات الإثيوبية. فلنقارن بين هذه الهمة المصرية وبين موقف حكومتنا العراقية التي لا تتطرق للأمر حتى لو جاءها مسئولو دول الجوار في زيارة ما. ربما يخجلون!

وهناك معادلة بسيطة هو أن كل مليون شخص يحتاج إلى مليار متر مكعب من المياه سنويا. وحيث أن مصر تعتبر نفسها من الدول الفقيرة مائياً لأن نفوسها الآن 70 مليون نسمة. فهذا ما يجعلنا نفكر بالثلاثين مليون عراقي، والذين لا يصلهم إلا حوالي 14 مليار متر مكعب سنويا. وبهذا يمكن تصنيفهم في خانة "الأشد فقراً للمياه"

هذا و قد استفحل موضوع الاستعمار الجديد الزراعي الى درجه وحسب IPS يوم 23.10.2009 بان هناك37-49 مليون ايكر(الايكر 4040 مم) من الاراضي الزراعيه قد بيعت منذ العام 2006 ولغاية 2009. اي في ثلاث سنوات فقط, وهذا بدوره سيوثر تاثيرا سلبيا على حياة 1.5 مليار مزارع بسيط في الدول الفقيره.

وبالاضافه لما تقوم به الحكومات الاغنى للحصول على اراضي زراعيه , فان الموسسات الماليه العالميه قد دخلت على الخط, وها هي قد بدات ايضا تستحوذ على اراضي وشركات زراعيه. فحسب موقعGRAIN الامريكي و بتاريخ 20.10.2009 فان هناك حتى الان 120 موسسه ماليه عالميه منهمكه في انهاء صفقات شراء اراضي زراعيه. وقد قامت GRAIN بوضع جدول مفصل حول هذا الموضوع. والرابط لهذا الجدول:www.grain.org/m/?id266

وكلي أمل بأن العراق لن يدخل ضمن هذه القائمة المشبوهة، ولكن حسب موقع جريدة ARAB NEWS /27.10.2009 فإن وزير الزراعة التركي "مهدي ايكر" زار في ذلك اليوم وزير الزراعة السعودي "فهد الغنيم" و عرض عليه مزيدا من الأراضي و المياه التركية، و هذا بطبيعة الحال سيؤثر سلبا على وضع المياه المنصرفة إلى العراق.

وقد نقلت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) عن مسؤولة عراقية أن عدد العراقيين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي يشهد تزايدا مستمرا. إذ تسبب تقلص الإنتاج الزراعي القومي وارتفاع نسبة التضخم والبطالة وتدهور نظام الدعم الغذائي في إلحاق أضرار بالغة بالفقراء. فكيف سيكون حال هؤلاء مع مزيد من شحة المياه وبالتبعية انعدام الزراعة؟

إن أي ضمان لحقوق العراق المائية لن يكون بتصريحات تتناقلها وسائل الإعلام، ولا بتطمينات تلي لقاءات المسئولين؛ فالعبرة في هذا المجال هو وجود اتفاقات واضحة وموثقة ومجازة من الجهات المسئولة في العراق والبلدان التي تنبع وتجري فيها الأنهار التي تصله مياهها. الاتفاقات الثنائية والدولية وحدها هي بداية الأمن المائي،وتحدد فيها سبل حل المشاكل المتوقعة، ويمنع الالتفاف على بنودها ويحظر التصرف في المياه لخارج دول أحواض هذه الأنهار طالما سيتضرر إحدى دوله جراء ذلك، وينظم أي توسع زراعي في دولة لصالح مستثمر أجنبي طالما أن من شأنه تقليل المياه التي تذهب لدولة جارة في نفس الحوض،وهذا الدور يخاطب به الجميع وأولهم القانونيون ورجال الحكم والمعنيين بالزراعة في العراق،وعلى الإعلام تنبيه المواطنين لهذه القضية لأن تركها بلا حل يعني ببساطة القضاء على ما كان يعرف بأرض السواد والخير، وحرمان أبنائنا مما ورثناه عن آبائنا، وهنا للإعلام دور يجب أن يضطلع به، بدلا من تسليط الضوء على الخلافات المفتعلة والمشاحنات المستهلكة.

إن توثيق حقوق العراق المائية هو خطوة أساسية لحماية العراق من خطر الموت عطشاً، وتحمي أراضيه من الجفاف والتصحر.
  أ.د. طالب مراد
مستشار إقليمي (متقاعد) بمنظمة الأغذية و الزراعة (الفاو) لشمال أفريقيا والشرق الأوسط.

رئيس سابق لرابطة موظفي الأمم المتحدة ،مصر
http://www.alitthad.com/paper.php?name=News&file=article&sid=65298.
نشر في 10.11.2009

Tuesday, 27 September 2011

الاستعمار الجديد الزراعي والامن الغذائي-5


حسب آخر إحصائية أصدرها المعهد الدولي للبحوث في السياسات الزراعية (IFPRI) ومقره واشنطن، فإنه ومنذ عام 2006 وحتى الآن حصلت منظومة دول الاستعمار الزراعي الجديدة على 20 مليون هكتار(الهكتار= 10.000 متر مربع) من الدول الفقيرة التي تعرض أراضيها الزراعية لمن يدفع أكثر. وبلغت قيمة هذه الصفقات 30 مليار دولار أمريكي.

وقد اخذ المزارعون والمنظمات غير الحكومية في الدول التي تم الاستحواذ على أراضيها الزراعية يبدون مقاومة شديدة لهذه الاتفاقيات الجائرة. ومن ثم اضطرت مجموعة (بن لادن) السعودية لإلغاء مشروع بقيمة 4.3 مليار دولار في اندونيسيا لزراعة الأرز. وألغت حكومة كوريا الجنوبية اتفاقها مع مدغشقر بعد سقوط الحكومة ف الأخيرة. كما ظهرت معارضة شديدة في كينيا ضد دولة قطر التي كانت ستحصل على أراضٍ زراعية هناك. كما أعلنت وزارة الزراعة التايلندية عن عزمها تغيير القوانين التي تسمح للأجانب بامتلاك أراضٍ زراعية.

ولكن هناك دولتان لم تظهر بهما معارضة ضد هذه الاستحواذات وهما باكستان وتركيا؛ فباكستان قد عرضت 7 مليون ايكر (ايكر = 4040 متر مربع) للبيع على دول الخليج، وقد وصفت جريدة Daily Times ديلي تايمز الباكستانية يوم 16 /9/2009 هذه الصفقات بأنها أسرع طريق لإعادة الإقطاعيات الكبيرة، وبثوب أجنبي. أما جريدة الفجر الباكستانية (Dawn) فقد ذكرت في عددها ليوم 14/9/2009 أن الباكستانيين يحتجون بشدة على الوجود الأمريكي في أفغانستان وهي دولة جارة، بينما يغضون الطرف عمن يحاول الحصول على أهم الأراضي الزراعية الباكستانية وقوت الشعب الباكستاني ويسمونهم بالأخوة.

أما تركيا التي تسيطر على منابع المياه للعراق فلم تبد أي منظمة غير حكومية أو فلاحية اعتراضها على موضوع حصول الأجانب على أراضٍ زراعية فيها؛ حيث بدأت السعودية وإمارة أبو ظبي بالاستحواذ على أراضٍ شاسعة هناك. ونظرا للمقاومة الشديدة التي تواجه الدول الخليجية في دول كثيرة من العالم الثالث فإنهم ربما سيتوجهون إلى تركيا لصرف دولاراتهم البترولية المتراكمة للاستحواذ على أرض ومياه المغلوبين على أمرهم.



ورغم محاولة بعض ساسة العراق ومحطاتها التلفزيونية التهوين من موضوع شحة المياه وتبرير مواقف بعض  الدول، فإن هذا الموضوع هو أهم مشكلة تواجه العراق حاليا ومستقبلا. وكنت أتمنى لو أن الرئيس مام جلال قد تطرق إليها في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل أيام. وأعتقد أن تلك المنصة كانت المجال المؤثر لتوصيل شكوى العراق للعالم. هذا وقد حثت تركيا مؤخراً البرلمان العراقي على الإسراع في إقرار الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين، ومن المنتظر أن يوقع رجب طيب اردوغان ونوري المالكي على 50 مذكرة تفاهم. لكن الضمير الوطني يوجب على الحكومة الحالية والقادمة والبرلمان الحالي والقادم في بغداد و أربيل أن يتفقوا مع تركيا على توقيع معاهدة حول حقوق العراق في المياه قبل المصادقة على مذكرات التفاهم تلك، هذا إذا أرادوا جديا ضمان مستقبل أبناء العراق.

وهنا أود أن أذكِّر بإحدى المعاهدات المائية بالمنطقة، والتي ربما لا يعرف عنها كثير من العراقيين، ففي عام 1929 وبينما كان النقاش والصراع في العراق ممتدا بين توفيق السويدي و عبد المحسن السعدون وكلاهما تناوبا على منصب رئيس الحكومة العراقية حول دور البريطانيين في العراق وعندما تخلى المندوب السامي البريطاني Dobbs عن منصبه للجنرال جلبرت كانت المندوبية قد بدأت مشغولياتها بتعليم الملك المستورد الاتيكيت الدبلوماسي: وبالمقابل، وفي نفس السنة – أي قبل ثمانين عاما بالضبط- جلس المندوب السامي البريطاني في مصر اللورد "جورج لويد" إلى طاولة في القاهرة ووقع معاهدة مياه النيل لسنة 1929 بين مصر والإمبراطورية البريطانية.



حيث وقع المندوب السامي باسم المستعمرات البريطانية كينيا ، يوغندا وتنجانيقا ( تنزانيا حاليا) وبموجب هذه الاتفاقية أصبحت مصر صاحبة الكلمة المسموعة في مياه نهر طوله 6740 كم ويتشاطأ عليه 10 دول ويعيش على ضفافه الآن حوالي 160 مليون إنسان وسيتضاعف عددهم إلى الضعف في عام 2030. وإثيوبيا التي ينبع 85% من مياه نهر النيل من أراضيها ليس لها حق التصرف المنفرد أبدا بالمياه. أما السودان وبعد الاستقلال فقد تململ وحدث فيه انقلاب عام 1959 وسمح له لاحقاً باستعمال عدة مليا رات من الأمتار مكعب سنويا وتصل إلى مصر 55 مليار متر مكعب سنوياً.


أذكر هذه الاتفاقية لأوضح أن المستعمر تعامل بطرق مختلفة مع شعوب مستعمراته. ويفسر البعض ذلك بكون العراق فشل تاريخيا ولازال يفشل في استثمار علاقاته مع أصدقائه من الدول الكبرى.

والآن فإن المياه تدل إلى العراق بحسب مزاج السياسيين في دول الجوار الثلاثة التي تنبع منها الأنهار التي تصب أو تجري بالعراق، بل ربما بحسب مزاج موظفين صغار في وزارات الزراعة بتلك الدول.  فلو لم يتم تثبيت هذه الحقوق في اتفاقيات ومعاهدات موثقة من قبل الأمم المتحدة فإننا سنواجه المشكلة ذاتها كل موسم،  ولن يرى سكان خانقين مثلاً المياه في نهر الوند إلا في أواخر سبتمبر: أي بعد أن ينتهي الموسم الزراعي في إيران.

 نشر في يوم6.10.2009  
ا.د. طالب مراد

الاستعمار الجديد الزراعي والامن الغذائي-4

عجلت الزيادة المضطرة لأسعار المواد الغذائية على الصعيد العالمي خلال السنتين الماضيتين بعمليات الاستيلاء على ألأراضي الزراعية ضمن ميكانيزم عمل الاستعمار الزراعي الجديد والياته الاقتصادية والسياسية ، وفي هذا المجال بدأت دول الخليج وعدد من البلدان الأسيوية والأوربية ( والتي تهمها الحصول على الوقود الحيوي ) بعمليات منظمة للاستيلاء على الأراضي الزراعية في البلدان الفقيرة والأشد فقرا، وذلك ضمن مفهوم وأجندة الأمن الغذائي وإستراتيجيته التي أصبحت ألأهم بالنسبة للدول والكتل السياسية والاقتصادية.
 
الاستعمار الزراعي رغم كونه ظاهرة تاريخية قديمة فان قواه المؤثرة و آلياته وأسلوب عمله يمثل الجديد في عصرنا الحالي وذلك لتداخله مع النشاط العولمي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي ، ويهدف الشكل الجديد للاستعمار على ديمومة ضخ الوقود الحيوي من البلدان المُستَعمرة باتجاه الدول المستعمِرة التي تصف عملياتها الاستعمارية بأنها استثمارات خارج حدودها القومية .
 
يمثل الشرق الاوسط وبالاخص العراق, المشهد الاكثر وضوحا للظاهره, وهذا ما لخصه وصرح به السيد بيتر ياربك مدير عام شركة نستله العالميه لصحيفة اندبيندنت اللندنيه يوم 9.8.2009 حينما قال ( ان الماء العذب سينضب قبل البترول).
 
  مشكلة المياه وبالذات العذبة منها ظاهرة قديمة في دول الخليج ولكن الكارثة الإنسانية والبيئية تتمثل بصورة المستقبل المنظور للعراق والذي أصبح مهدداً وبشكل واضح لخسارته عصبي الحياة فيها وذلك بتجفيف رافديه ليتحول ما عرف بأرض السواد إلى ارض اليباب
 
تجفيف نهري دجلة والفرات، وهي من الأنهر العابرة بين الدول، تتم من قبل دول الجوار التركي والإيراني من خلال عمليات إنشاء السدود أو كعوامل ضغط سياسية ضمن ما يعرف بحرب المياه. إن المشكلة تتضاعف في الحالة العراقية لعدم اهتمام الحكومة والحكومات المتعاقبة بالزراعة والآمن الغذائي ناهيك عن نقطة الضعف الكبيرة التي تتضاعف وهي اعتماد العراق على 80% من حاجته للغذاء من خارج الحدود.
 
إن رغبة وجهد الدول الخليجية وبالذات السعودية والإمارات بالحصول على الأراضي الزراعية في تركيا يعتبر عامل إضافي لتركيا بالإسراع ببناء شبكة سدودها التي تنعكس آثارها الكارثية على العراق والموقف السعودي والإماراتي ( ابو ظبي ) يختلف عن الموقف الأوروبي المسئول حينما رفضت وانسحبت عددت من البلدان الأوربية بتمويل تلك السدود وذلك لمعرفتها بمدى تأثيراتها الداخل التركي وعلى العراق بشكل اكبر.
 
إن التوجه السعودي والإماراتي الجديد جاء بعد إن جفت مياهها الجوفية التي تم هدرها في مشاريع زراعية عقيمة أقدمت عليها حينها بعد أن أخذت بنصيحة عدد من الشركات والمنظمات الدولية، الفشل الداخلي لحل مشكلة الغذاء في دول الخليج دفعتها للبحث عن الحل الخارجي ( الاستعمار الزراعي الجديد) ودخول تلك الدول في الظاهرة الجديدة سبب إشكالية أخلاقية وأدبية  لمنظمة الاغذيه والزراعه على خلفية استلامها مبلغا قدره 2,5 مليون دولار من المملكة العربية السعودية لتمويل مؤتمر دولي حول جياع العالم في روما وذلك في نوفمبر من هذا العام، ستجتمع الدول الغنية ورؤساءها لحل مشكلة الفقر والجوع والأمن الغذائي على الصعيد العالمي ، السؤال الذي يطرح نفسه هل إن الجوع والفقر دالة لها علاقة بين عدد السكان ومحدودية الأرض الزراعية أم إنها صناعة تهدف إلى مضاعفة ربح الشركات الاحتكارية وبالأخص الاحتكارات التي تنشط في مجال الغذاء كونها السلعة الأكثر أهمية في تاريخ البشرية.؟
 
   نشرت صحيفة GRAINالالكترونية وهي تابعة لمنظمة أميركية غير حكومية وتهتم بأمور  الزراعة والأراضي الخصبة والمغتصبة علما إن الصحيفة نشرت الحلقات الأولى والثانية والثالثة للمادة بعد أن اقتبستها من احد المواقع العراقية ومن الجدير بالذكر أن الموقع الرسمي للمنظمة تنشر بعدد من اللغات وتعتبر نشرها لسلسلة مقالتنا هي الأولى على صعيد النشر باللغة العربية .
 
أ .د. طالب مراد مستشار ( متقاعد) لمنظمة الأغذية والزراعة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ورئيس سابق لموظفي الأمم المتحدة في القاهرة
www.Farmlandgrab.org/6711 نشر في 22.8.2009


www.Farmlandgrab.org/6752

Wednesday, 21 September 2011

الاستعمار الجديد الزراعي والامن الغذائي-3


قبل ربع قرن تركت ليبيا بعد أن قضيت فيها حوالي عشرة سنوات حيث كنت أعمل في ذلك البلد كأستاذ بجامعة طرابلس آنذاك مؤسسا لكلية الطب البيطري فيها. وقد عشت هناك في أوج الثورة الخضراء ومقولات القائد والكتاب الأخضر وزيارات فصائل المعارضة العراقية للحصول على المساعدات المالية. كنت هناك عندما كانت مقولات القائد ومحتويات الكتاب الأخضر هي كل ما يمكننا أن نسمع أو نشاهد أو نقرأ.  وإحدى المقولات التي كانت تكرر يوميا في نشرات الأخبار هو أنه "لا حرية لشعب يأكل من وراء البحار". كنت ساعتها استخف بهذه المقولة؛ لأني كنت مقتنعا بأن الاكتفاء الذاتي هو إحدى طروحات المعسكر الاشتراكي  آنذاك، وان الغذاء يُصدر ويُستورد، تماما مثل أي سلعة أخرى.ولكن بعد مرور سنوات طويلة وعملي في الدول الأشد فقرا وفي دول شرق أوسطية وأفريقية أيقنت بأن الغذاء هو أهم بكثير من أن يكون سلعة تُصدر وتُستورد. وأن الشعوب وحتى الغنية منها والتي تعتمد على الخارج أو ما وراء البحار في غذائها هي شعوب مغلوبة على أمرها، ولا تملك كامل حريتها.

على هامش مصطلح الأمن الغذائي:
صنف الدول التي تعاني من مشكلة الأمن الغذائي إلى 3 مجاميع. أولها دول فقيرة، تعتمد كليا في أو في الجزء الأكبر في غذائها على المساعدات المقدمة لها من الخارج، ثم دول فقيرة أخرى تعتمد على المساعدات الغذائية من الخارج،  وفي نفس الوقت تعرض أراضيها الزراعية لمن يدفع أكثر. ثم هناك دول غنية استفحل فيها مشكلة الأمن الغذائي نتيجة للكثرة السكانية أو غلاء أسعار المواد الغذائية. وهذه الفئة من الدول هي التي تتطلع لما وراء الحدود للحصول على أراضي زراعية: إما لزراعتها لتغذية شعوبها أو للتجارة بإنتاجها الزراعي.  وفي كلا الحالتين لا تستفيد الشعوب صاحبة الأراضي المستغلة من الأمر كثيراً. وكانت هذه العملية ولغاية سنوات قليلة تُسمى بالاستثمار، أما الآن فتوصف بأنها "الاستعمار الزراعي الجديد". وهذا المصطلح أخذ أبعادا جديدة:  فخلال العامين الماضيين أخذت عدة شعوب فقيرة تقاوم هذا الاستغلال. ودول منظومة الاستعمار الجديد غالبها إما شرق أوسطية أو آسيوية، ومنها دول صغيرة ومنها دول كبيرة جدا. منها لا يتعدى عدد نفوسها بضعة مئات من الألوف ومنها من يزيد عن المليار كالصين مثلاً، وهي كلها دول غنية. ويجب أن ندرك أن الدول التي تعاني من مشكلة الأمن الغذائي يزداد عددها باطراد، وستكون في فترة زمنية قليلة مشكلة الجميع بلا استثناء.  وحسب تقرير صدر أخيرا من منظمة التنمية الزراعية العربية التابع للجامعة العربية فإن الدول العربية تستورد معظم حاجاتها من الغذاء، وزادت كلفة الاستيراد من 15 مليار دولار في عام 2006 إلى 20 مليار في 2007.


ونتيجة لظروف الدول العربية والمشاكل التي تواجهها مثل شحة المياه والتصحر وبعثرة المراعي الطبيعية والنمو السكاني الرهيب والجفاف والقحط الذي يبدو أنه سمة ملازمة لهذه المنطقة من دون دول العالم، فإن الإنتاج الزراعي والثروة الحيوانية قليلة جدا في هذه المنطقة. ونظرا للنقص الشديد في أعداد الرؤوس الحيوانية وذلك للأسباب السابقة، فإن التجارة الشرعية واللا شرعية بالحيوانات الحية ومنتجاتها قد انتشرت هنا بين دول المنطقة وخارجها؛ مما أدى لزيادة الأمراض الحيوانية العبارة للحدود والتي بدورها تؤثر على صحة الإنسان مثلما يؤثر سلبا على الأمن الغذائي.


وخلال نصف قرن فقط ازداد نفوس الشعب العراقي ثلاثة أضعاف فيما تراجع عدد الحيوانات المرتبطة بالزراعة لثلث ما كان عليه، أما قطاع الدواجن الذي كان ينمو باطراد ويقدم أكثر البروتين الحيواني فقد كان يعتمد على العلف والمستلزمات المستوردة. وبعبارة أخرى فإن الثروة الحيوانية وبالأخص قطاع الدواجن تعتمد بدورها على ما وراء الحدود في احتياجاتها الغذائية.


وفي مقارنة بسيطة مع دول أشد فقرا خارج منطقتنا مثل أفغانستان -التي نستخف بها - نرى أن هذه الدولة وبظروفها السيئة التي مرت بها في العقود الأخيرة إلا أنها استطاعت عام 2007   إنتاج  90%  من احتياجاتها من القمح. وحتى الذين يتسلمون المساعدات الغذائية هناك هم نصف ما هم عليه في العراق. علما أن نفوس البلدين متقارب  جدا، كما أنه لا يوجد نهران دائمان في أفغانستان مثلما الحال في العراق. وقد قمت بعدة زيارات لأفغانستان كمراقب أممي للأمن الغذائي، حيث زرتها أثناء حكم حركة طالبان وبعد زوال حكمها.  وأثناء حكم طالبان لم يكن الوضع الغذائي أسوأ من دول يعرض حكامها أراضيها الآن لمن يدفع أكثر.
 
كما لاحظت شخصيا في العراق أن علب وعبوات الطعام والحليب بأرفف المحلات أصبحت تاريخ صلاحيتها ومصادرها أمرا غير مهم  لا للمشتري ولا للبائع ولا للمراقب.وأصبحت هذه الحالة تذكرني بما كنت أراه في ارفف دكاكين الصومال من برما شمالا وحتى قسمايو جنوباً، كما لاحظت الشيء ذاته في دكاكين أفغانستان.


الحالة العراقية
أما العراق والذي على أرضه بدأت  الزراعة منذ 7 آلاف سنة، وبه نهران  دائما الجريان، وكانت يوماً مسطحات المياه العذبة به تعادل ما يوجد في كل الدول العربية مجتمعة، علاوة على حوالي 220 ملم من الأمطار التي تهطل سنويا على البلاد. وتشكل الأرض الخصبة الزراعية نحو خمس مساحة العراق بينما هذه النسبة في دولة زراعية مثل جمهورية مصر لا تتعدى 5% من مساحتها. وتقدر الأراضي الزراعية العراقية بتسعة مليون ونصف المليون هكتار ( 95مليون دونم). ومع كل هذا فقد ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية عن منظمة الغذاء العالمية (W F P ) في 26 مايو 2009 أن هناك بالعراق الآن 930 ألف شخص يعيشون تحت خط الفقر. ولا يوجد لديهم أمن غذائي. وسينضم لهذا العدد 6.4 مليون شخص في حالة فشل مؤسسة السلع التموينية في أداء واجبها.

وعلى ما يبدو أن الفضائح الأخيرة التي طالت وزارة التجارة ببغداد لها صلة بهذه الأرقام، وذكر التقرير بأن الأمم المتحدة تقدم معونات غذائية عبر المفوضية العليا لشئون اللاجئين لنحو 360 ألف عراقي مهاجر في سوريا.  أما البطاقة التموينية فكلنا نعلم أن هناك العديد من الأسر العراقية التي لا زالت تعتمد عليها، وعندما أردت مؤخراً الحصول على جواز سفر عراقي جديد فقد طلب مني هذه البطاقة باعتبارها أحد الأوراق الرسمية، ولأني غادرت العراق منذ 4 عقود فأنا الآن بدون بطاقة وبدون جواز سفر عراقي،  وبموجب هذه البطاقة والتي عادة ما  تترك  لدى متعهد التموين، والذي عادة ملا يكونوا أقرباء أشخاص نافذين في الحكومة أو الأحزاب السياسية.  فإن كل فرد عراقي وحسب ما جاء في 19 مايو 2009 في تقرير شبكة المعلومات الإنسانية- ايرين نيوز-  التابعة للأمم المتحدة فان كل مواطن يستلم شهريا سلة من السلع التموينية مكونة من:
3 كجم أرز -2 كجم سكر- 1 وربع كجم زيت. 9 كجم طحين- ربع كجم حليب باودر- 200 جرام شاي- 250 جم بقول- 1.8 كجم حليب أطفال- 250 جرام صابون- 500 جرام مسحوق غسيل- 500 معجون طماطم. وبالطبع هناك فرق شاسع بين المذكور في مفردات هذه السلة وما يتسلمه بالفعل المواطن العراقي. بل إن بعض ما يحصل عليه المواطن من مواد غذائية يكون من البضاعة الرديئة، وقد رأيت بعيني سيارات وعربات تجوب شوارع عراقية تشتري مواد الحصص التموينية من المواطنين (وبسعر التراب كما يقول المصريون) فأين تذهب هذه المواد؟ والى أين تُصدر؟ ومن ينظم كل عمليات البيع والشراء تلك؟ وما موقف الحكومة منها؟ وما أستطيع استنتاجه من هذا أن الحصص التموينية لا تساهم كثيرا في حل مشكلة الأمن الغذائي، بل أن ضررها ربما يكون أكثر من نفعها، وهي تعتبر إحدى العثرات الموجودة أمام النمو الزراعي.

وهذا الموضوع أصبح واضحا للجميع. ولكن أحدا لا يضع له حلولا مناسبة أو يقترح آلية أخرى لمساعدة العوائل الفقيرة بالعراق وما أكثرها. والسبب ببساطة هو أن هناك الكثير من المستفيدين من استمرار هذه العملية.


فالحصة التموينية ارتبطت بمشروع النفط مقابل الغذاء، سيء الصيت، والذي بدأ في منتصف التسعينات عندما تسلمت بعض المنظمات المتخصصة بالأمم المتحدة ميزانيات خيالية من برنامج النفط مقابل الغذاء في ذلك الوقت. وكان رؤساء كافة المنظمات الثمانية المتخصصة المتواجدة هناك آنذاك من بلد واحد هو السودان، ومن شماله تحديدا..فيا للصدف.


وقد كنت أظن أن النظام الجديد سيفتح تحقيقات في هذا الفساد، ويحرك دعاوى بخصوص ما حصل. ولكن لم يحدث أي شيء(نفس الطاس ونفس الحمام). يجب أن ندرك أن إيجاد البديل للسلع التموينية هي ضرورة وطنية وملحة ، وعلى برلمانيّ بغداد وأربيل النظر في هذا الأمر إذا كانا جادين في حل مشكلة الأمن الغذائي بالبلاد. ولو وضع جدول زمني لحله بدلا من هذا الصمت والتجاهل كأن المشكلة غير موجودة. ويبدو أن السلطات المعنية تخشى اتخاذ قرار كهذا خوفا من تبعاته أو عدم قدرتها على إيجاد بديل يفي بالغرض. وقد أخذت الحكومة العراقية في حل مشكلة الأمن الغذائي على طريقتها؛ حيث يزداد الاستيراد يوما بعد آخر، من المنافذ الحدودية ال24 ومن الموانيء والمطارات، وهي تحاول تحسين الحصص التموينية ربما لأغراض دعائية.


وقد خطت خطوة أخرى ابعد من هذا: حيث أرسلت رئيس هيئة الاستثمار بها إلى بعض الدول الخليجية ليعرض عليها الحصول على أراض زراعية بالعراق.. وقد أقدمت الحكومة العراقية على هذه الفعلة ربما متصورة أنها بذلك ستضع المزيد من الأموال في خزينة الدولة دون أن تدرك فداحة ما اقترفت.  وقد أشرت من قبل في الجزأين الأول والثاني- موجود الرابط بنهاية الحلقة-  من هذه السلسة لخطورة هذه التدابير كونها لا تحل مشكلة بقدر ما تفاقمها أو ترحلها للمستقبل حيث يدفع الجيل الشاب الثمن.

تجارب وخبرات الآخرين:

ولننظر ماذا فعلت الدول الشرق الأوسطية والآسيوية لتوفير الأمن الغذائي لشعوبها : فهؤلاء بعكس العراق الذي لديه كل عوامل قيام تنمية زراعية، فإنه لا يعمل شيئا جادا وواضحا لإصلاح الأوضاع، وكذلك لا نرى من جانب الحكومة محاولات جدية للاستفادة بمياه الأنهار والتي تقل باستمرار.، بينما خرجت هذه الدول من حدودها وحصلوا بطرق عدة (أكثرها غير شرعية) على أراض زراعية من دول فقيرة تشكو من مشكلة الأمن الغذائي.

ولنأخذ مملكة البحرين مثلا التي لا يزيد سكانها عن قضاء عراقي، وأكثرهم أجانب، ولا تزيد مساحتها عن ناحية عراقية، هذه المملكة الصغيرة تعرف عين الجد أهمية الأمن الغذائي فقد توجهت إلى الفلبين وهي دولة يبلغ عدد سكانها نحو  90 مليون نسمة، ولا يملك 70% من مزارعيها وفلاحيها أراض زراعية،  ومع ذلك حصلت البحرين على أراض زراعية بالفلبين لإنتاج الأرز ليتم استهلاكه بالبحرين،  وذلك حسب نشرة جوينت بريس 24 يونيو حزيران 2009.. 


ويبدو أن هناك معارضة داخلية بالفلبين لهذا الاتفاق مع البحرين،  وسرعان ما توجه السيد الحواج عضو غرفة تجارة البحرين إلى تايلاند وذلك حسب جريدة الخليج اليومية 25 يونيو2009 ربما لتأمين صفقة مماثلة أو مكملة للاتفاق مع الفلبين إذا ما واجهه عائق، وعلى نفس الوتيرة وفي تقرير حديث نشر في مجلة ديلي نيوز الباكستانية يوم 14 مايو 2009 قالت الصحيفة أن الإمارات العربية ستحصل على مساحة مليون هيكتار من باكستان. وقد شبه احد كتاب الجريدة المعاهدة بمعاهدة شركة الهند الشرقية التي عن طريقها استعمرت بريطانيا شبه القارة الهندية لأكثر من قرنين من الزمان.

تركيا والسد الجديد:
ولنترك قليلا الدول البعيدة عن حدود العراق ولنقترب ونرى ماذا حدث قريبا من حدودنا: فحسب وكالة رويترز في الأول من تموز  2009 أن المملكة العربية السعودية سوف "تستثمر" 3 مليار دولار في مشروع زراعي بتركيا في السنوات الخمسة القادمة لإنشاء 20 ألف وحدة زراعية حجم كل منها 10 آلاف متر مربع، وستغطي مساحة 200 كلم مربع وذلك لتصدير إنتاجها الزراعي والحيواني. وكأن حصولها على نصف مليون هكتار من الأراضي من تنزانيا لا تكفيها. ( ديلي ستار- دكا - 3 أغسطس آب 2009) وحسب ما نقلته وكالة رويترز للأنباء يوم 3 أغسطس آب 2009 فإن المملكة العربية السعودية ستستغني عن مشروع السنوات الثلاثين والذي كان سيكفل الاكتفاء الذاتي في الغذاء بالمملكة. وان السعودية ستقلل سنويا 12.5 % من إنتاج القمح فيها نظرة لشحة المياه لديها وحيث أن المملكة ستتجه لأفريقيا لزراعة غذائها هناك. علما بان المملكة العربية السعودية تستورد سنويا أكثر من مليون طن من الأرز حسب تقرير وزارة الزراعة الأمريكية.  وفي 10 يوليو نشر موقع مكتوب الاقتصادي أن إمارة أبو ظبي وقعت بدورها معاهدة طويلة الأمد مع تركيا بمبلغ 6 مليار دولار للحصول على أراض زراعية بها..والسؤال المهم هو:
أين تقع هذه الأراضي؟ وأي مياه ستُستعمل لريها؟
والسؤال متروك لحكومتي وبرلماني بغداد وأربيل.
وللعلم وحسب جريدة ديلي تلجراف في 14 يوليو تموز 2009 فإن ما تصرفه المملكة وأبو ظبي في هذين المشروعين يعادل ما صرفته كل دول التعاون الخليجي عام 2007 على شراء أسلحة أمريكية، وما هذا إلا دليل على   أن هذه الدول تعطي أهمية للأمن الغذائي موازيا لأمنها القومي. ولأنها تعرف مسبقا بان سد اليسو سيقام على نهر دجلة،  وأن الحكومة التركية تريد الاستفادة منه وإعطائه  لمستثمرين خارجين وعلى حساب فقراء تركيا. هذا ما يحدث من دولتين جارتين عربيتين مسلمتين. في الوقت الذي رفضت دول أوربية غربية مسيحية منها ألمانيا والنمسا وسويسرا تمويل هذا السد لأنها تعلم انعكاسه على شعوب المنطقة.وقد  ذكرت محطات التلفزيون العراقية في 20 تموز الماضي أن المياه في دجلة والفرات وصلت لنصف منسوبها المعتاد في هذا الوقت من العام، فكيف سيكون الوضع بعد 3-5 سنوات من الآن وبعد استكمال تركيا لبناء السد المشار له؟

وفي هذه الأيام تقوم مجموعة غيورة من الشباب العراقي بجمع التوقيعات ضد بناء هذا السد مع تأييدي لهذا العمل فإن التصرف الجدي يجب أن يصدر من الحكومة العراقية وربط كل معاهداتها السابقة والجارية والقادمة مع دول المنبع والمتشاطئة لأنهر العراق بمشكلة المياه العراقية.

وفيما يبدو أن أعداد الدول التي تعقد مثل هذه المعاهدات ستزداد باطراد إذا لم تجابه بعنف.  وسيكون باب الرزق للأتراك. وأما زيارات المجاملات التي يقوم بها حكامنا لتركيا فلن تردع الأخيرة أو توقفهم عن جني مليارات الدولارات الخليجية. والسؤال لماذا لا تطرح الحكومة العراقية على الأمم المتحدة.

ولنتعلم درسا من مصر حيث أنها دائما ما تراقب الأوضاع في الدول التي ينبع ويمر فيها النيل وتتأكد أن حصتها مؤمنة، وأنا على يقين أن أحدا لا يجرؤ على أخذ استكان زيادة من حصة مصر من مياه النيل. لقد صدق الكاتب العراقي رشيد خيون في مقال أخير له عندما قال أن حضارة العراق هي حضارة الماء ومدنه وقراه تمتد على شبكات والقدماء جعلوا من المياه العذبة لغزارتها إلها.

الغبار الأحمر
وعلاوة على شحة المياه التي يشكو منها البشر قبل الزرع والضرع فإن هناك مشكلة أخرى عويصة، وهي مشكلة الغبار الأحمر الذي تراقبه وكالة ناسا الفضائية منذ فترة، والتي لم يشهد تاريخ العراق مثلها؛ فعلاوة على ما تسببه من موت للأشجار فإن أوراق النباتات الخضراء كلها تتأثر بهذا الغبار الدقيق حيث تغلق مساماتها الدقيقة وتقلل العمليات البيولوجية فيها مما يؤدي لارتفاع درجة حرارة الأوراق. كما أن الغبار الأحمر يمنع الموجات الضوئية الحمراء من الوصول للكلوروفيل، وهو ما يؤثر سلبا على كل ما هو أخضر.

ويغطي هذا الغبار سماء العراق، ويؤدي لموت أشجار اليوكالبتوس والسرو العطشى، التي تشكل حزاما أخضر لمناطق كثيرة بالعراق. كما يؤدي لموت أشجار البساتين، علما أن كثيرا من أشجار النخيل قد اقتلعت من أماكنها  أثناء حرب العراق ضد إيران في الثمانينات، وكلها عوامل تؤثر سلبا على الأمن الغذائي العراقي.

إنهم يزرعون الأفيون
ورئيس (سابق) لرابطة موظفي الأمم المتحدة FUNSA، مصر.
 إن قطاع الزراعة بشكل عام متدهور وهو ما أدى بدوره لنوع جديد من المشاكل الأخرى،  وأهمها ما ذكرته صحيفة الاندبندنت البريطانية في 23 مايو الماضي وهو زراعة الأفيون بالعراق:  فقد لخص مهندس زراعي محلي اسمه العزاوي الحالة قائلا أن الفلاحين لا يحصلون على مساعدات من الحكومة،  ولا يمكنهم منافسة أسعار السلع المستوردة الرخيصة  من فواكه و خضروات، وليس بوسعهم توفير أسعار الأسمدة والطاقة الغالية،  لذا فان زراعة الأفيون هو الحل الوحيد لهؤلاء الفلاحين. وكنت قد توقعت هذا الوضع منذ عدة سنوات،  وتوقعت أن زراعة الأفيون ستظهر بالعراق،  وربما ستزداد كون كافة الظروف مهيئة  لزراعة هذا السم.

وذكرت الاندبندنت اللندنية وموقع التر نت ومواقع أخرى بتاريخ 17 يوليو تموز 2007 أن مناطق بالعراق بدءً من بهرز والسعدية وداينة وحتى جنوب بلدروز قد بدأت بالفعل في زراعة الأفيون بين أشجار البرتقال والرمان التي تشتهر بها هذه المنطقة. وذكرت الاندبندنب أن معدل زراعته في محافظة ديالى أقل مما هو عليه في جنوب العراق،  حيث جرت محاولات لزراعة الأفيون بالشنافية والشامية والخماز إلا أنها لم تنجح مثل ديالى وذلك لارتفاع الحرارة والرطوبة الزائدة.  وحسب مواقع كثيرة مهتمة بزراعة الأفيون فقد كان أجدادنا السومريون عام 3400 قبل الميلاد يزرعونه ويسمونه عشب الكيف، وكان الجو مناسبا لزراعته وقتها.

المطلوب:
والمطلوب إذن من الحكومة العراقية والبرلمان إعطاء الأهمية القصوى لتحسين الوضع الزراعي والأمن الغذائي العراقي بطريقة صحيحة وليس البحث عن حلول جزئية مبتسرة، وأن تعلم أن الشاحنات والبواخر والطائرات التي تجلب الطعام والشراب للعراقيين بلا انقطاع لن تجد قريبا  ما تجلبه لنا. وربما يصعب شراؤها لارتفاع ثمنها. وحسب ما نقلته وكالة رويترز في 2 تموز 2009 عن متحدثة باسم  المؤتمر العالمي للاستثمار الزراعي أنها حذرت العالم من مشكلة الأمن الغذائي قائلة أن استهلاك اللحوم في اكبر دول العالم وهي الصين كان 10 كجم سنويا 1980 والآن أصبح 40 كجم، ليس هذا فحسب، بل لمعرفة ما وراء هذا الرقم وفهم تداعياته يجب أن  نعلم  أن عدد سكان الصين نفسها قد تضاعف، وليس فقط معدل استهلاك كل مواطن فيها،  وان إنتاج كل كجم من اللحم يحتاج بدوره لعدة كيلوجرامات من الحبوب لتسمين الحيوانات حيث يأكلون لحم الخنازير والدواجن أكثر من اللحوم الأخرى. وحيث تنافس هذه الحيوانات البشر فيما تأكله. وأبلغت هذه المتحدثة  المؤتمر بأن دولتي الصين والهند وبعد عشرة سنوات من الآن سيعانيان من مشكلة قلة المياه. وبالطبع سيبحثون ن حل لها على حساب الآخرين.

وللتخفيف من مشكلة الأمن الغذائي ولتحسين مستوى الزراعة العراقية فإن على الحكومة العراقية وبرلماني بغداد وأربيل  رفض  ما تمليه عليهم دول الجوار وتسلط هذه الدول في تحديد مناسيب المياه المنصرفة للعراق، ويجب اعتبار هذه المسالة مسألة حياة أو موت ولا يقبل فيها بأنصاف حلول. أما إقليم كردستان حيث شحة المياه ليست بمشكلة كبيرة حتى الآن وحيث لا يعاني الإقليم من ملوحة التربة، فلا يوجد معنى لاعتماد الإقليم الكلي على الاستيراد لتغذية أبنائه ولا سبب يفهم لعدم تطوير الزراعة فيه. ويا حبذا لو قام البرلمان الجديد هناك بوضع مشكلة الأمن الغذائي في أعلى قائمة أولوياته،  لأن الأمن الغذائي قد يكون المخلب الذي ربما تستغله الدول المجاورة للتدخل في شئون الإقليم والعراق والمساس بسيادته وأمنه. وأخيرا وليس آخرا فإن مشكلة الأمن الغذائي بالعراق قابلة لأن تخف حدتها، إذا اقتنع أولو الأمر هناك بأهمية الزراعة واقتنعوا أن الأمن الغذائي لا يقل أهمية عن الأمن القومي.
طالب مراد
مستشار إقليمي (متقاعد) لمنظمة الأغذية والزراعة،  لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط FAO
نشر يوم6.8.2009

http://www.shams-alhorreya.com/wesima_articles/author-20090806-65667.html

Sunday, 18 September 2011

ألاستعمار الجديد الزراعي والامن الغذائي-2

 نُشر الجزء الأول من هذا المقال في عدة مواقع عراقية تهتم جدياً بالشأن العراقي، ورابطه: 

والذين فاتهم فقد ذكرت في آخر فقرة من المقال أن" الحلول الساذجة التي اقترحت للعمالة الزراعية والأمن الغذائي العراقي ستؤدى أخيرا إلى أن تعطى أراضى عراقية مجانا لدول الاستعمار الجديد لاستغلالها (استثمارات) وسيُكثر تماسيح الأراضي من زياراتهم للساسة العراقيين،.. وإن غدا لناظره قريب"
وعلى ما يبدو فإن العراق سيصطف بسبب قياداته السياسية الحالية في عداد الدول الفقيرة التي باتت تعرض أراضيها الزراعية لمن يدفع أكثر، و من هذه الدول: مدغشقر، كينيا، إثيوبيا، السودان، باكستان، أوكرانيا، كمبوديا، والكونجو.

 لكن الفرق الوحيد بين هذه الدول والعراق هو أن الدول المتخمة بالدولارات مثل الصين والسعودية وقطر والكويت والإمارات تقدم عروضا سخية، وفي كثير من الأحيان الرشاوى الكبيرة للطبقات والعوائل الحاكمة في تلك البلدان الفقيرة لتمرير مشاريع ها لشراء الأراضي بهذه البلدان

بينما العراق هو البلد الوحيد الذي "يسمسر" لأراضيه الزراعية، فما تصريحات السيد سامي الأعرجي رئيس هيئة الاستثمار في العراق مؤخرا، وأثناء زيارته لدولة الإمارات إلا سمسرة رسمية من قبل شخص موظف في الحكومة العراقية، وقد ذكر أنه سيغير قانون 23 في أيلول القادم. حيث سيُسمح للأجانب بالحصول على أراض زراعية عراقية شراء وإيجارا لمدد طويلة تقترب من الاحتكار. وتكلم الرجل بثقة لا أحد يعرف مصدرها وكأنه سيملي بنفسه القرار على البرلمان العراقي ليغير شروط تملك الأجانب للأراضي الزراعية، أو ربما ظن أن البرلمان العراقي لا يختلف عن برلمانات الدول الكارتونية التي تصدر تشاريعها وفق مصلحة فئات وأفراد وليس لصالح الأمة كلها.

والطريف هو ما ذكره الأعرجي لوكالة أنباء رويترز بأن استصلاح الأراضي العراقية سيكلف حوالي 18 بليون دولار. والسؤال المحير هو: من أين أتى بهذا الرقم؟ وهل هو يحاول أن يقنع البرلمان العراقي والعراقيين الذين لا حول لهم ولا قوة بما يجري حولهم بأن استصلاح الأراضي الزراعية العراقية مكلف بما فوق طاقة العراق. وفي نفس التصريح أردف أن العراق سيستصلح أراض بمساحة 6 ملايين فدان تقريبا. وما هذا إلا دليل واضح على إن العراق يملك كافة الإمكانيات لاستصلاحها.فلماذا إعطاؤها للغريب بينما لدينا آلاف الأيدي العاملة التي بحاجة لاستغلالها كما أن أثرياء العراق ليسوا قليلين.

لكن على ما يبدو إن قسماً من ساسة العراق يعتقدون أن العصا السحرية لاستصلاح الأراضي موجودة في دول الخليج الصحراوية
.

ومعروف أيضا أن مسألة الأمن الغذائي قد تصدرت جداول أعمال دول الخليج العربية في أعقاب تضخم كبير شهدته هذه الدول العام الماضي.

 وفي تايلاند مثلا تركز الاهتمام الخليجي بالاستثمار في مزارع الماشية وإنتاج الأرز، في حين تركز الاهتمام بإنتاج محاصيل غذائية في بلدان أخرى
.
وللعلم فقط: فإن ما هو موجود من كوادر علمية وفنية في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني في أي محافظة عراقية يعادل ما هو موجو
 منها في دول التعاون الخليجي قاطبة. هذا ولم تترك الصحافة العالمية تصريحات الأعرجي دون الإشارة لها بعلامات الاستفهام. وقد قرأت قسما منها في الجارديان اللندنية ومجلة الايكونوميست. وكما نشر على موقع Farmland grab الأمريكي المختص http://farmlandgrab.org/

لقد أخذ العالم ينتبه بشدة إلى موضوع اغتصاب الأراضي الزراعية حيث ساعدت مثل هذه الصفقات في إزكاء الغضب الشعبي في مدغشقر مثلا مما أدى لسقوط حكومتها. والآن بدأت المشاكل في كينيا ضد قرار حصول قطر على أراض فيها حسب نفس الموقع وستتفاقم هذه الأزمة قريبا. وفي السنتين الأخيرتين حصلت كل من الصين والسعودية والكويت على أراض زراعية من دول فقيرة، بما مساحته 20 مليون هكتار، أي ما هو أكبر من مساحة فرنسا.ودفع فيها من 20 إلى 30 بليون دولار.
وقد تم تناول هذه الظاهرة بنقد عالٍ في دراسة حديثة جدا قام بها المعهد الدولي للبيئة والتنمية (IIED) بناء على طلب من منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة(FAO) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية(IFAD) . وهذه الدراسة ورغم كونها صادرة من منظمات تابعة للأمم المتحدة وتأخذ الجانب الحكومي من أي قرار، لكنها استنتجت بأن اتفاقات الأراضي الزراعية تسبب ضررا فادحا في التركيبة الزراعية. وضررها يكون أكثر عندما يبعد المواطنون عن اتخاذ القرار. بمعنى أنها قد تؤثر على رضا المواطنين عن الحكومات القائمة أو غضبه عليها لعدم إشراكها في قرار خطير كهذا
.
وهذه الدراسة ورغم كونها صادرة من منظمات تابعة للأمم المتحدة وتأخذ الجانب الحكومي من أي قرار، لكنها استنتجت بأن اتفاقات الأراضي الزراعية تسبب ضررا فادحا في التركيبة الزراعية. وضررها يكون أكثر عندما يبعد المواطنون عن اتخاذ القرار. بمعنى أنها قد تؤثر على رضا المواطنين عن الحكومات القائمة أو غضبه عليها لعدم إشراكها في قرار خطير كهذا.

وكثير من هذه الاتفاقات سيئة الصيت تكون سرية وتقدم بشكل مخالف إلى شعوب الدول الفقيرة.وقد نقلت الايكونوميست عن أحد السياسيين الكمبوديين بان عقود استثمار الأراضي الزراعية بين بلاده والدول الغنية بنودها اقل بكثير من بنود عقد إيجار بيت عادي. وبتعبير آخر فإنها لا تضمن للدول الفقيرة ما يصون حقها في إقليمها الذي يفترض أن تمارس عليه السيادة وربما لا تعطيها حق فسخ هذه العقود إذا رأت أنها تتعارض ومصالحها.فهناك عقود لاستثمار الأراضي الزراعية بين حكومات وأشخاص أجانب أغنياء لم يفوا بوعدهم ومع كل هذا فان هذه الحكومات تجد صعوبة في إلغاء هذه العقود. فكيف يكون الحال إذا كانت الاتفاقات بين حكومات؛ فالأمر معقد أكثر لأنه متعلق باتفاقات ثنائية ذات طابع دودها اقل بكثير من بنود عقد إيجار بيت عادي. وبتعبير آخر فإنها لا تضمن للدول الفقيرة ما يصون حقها في إقليمها الذي يفترض أن تمارس عليه السيادة وربما لا تعطيها حق فسخ هذه العقود إذا رأت أنها تتعارض ومصالحها.فهناك عقود لاستثمار الأراضي الزراعية بين حكومات وأشخاص أجانب أغنياء لم يفوا بوعدهم ومع كل هذا فان هذه الحكومات تجد صعوبة في إلغاء هذه العقود. فكيف يكون الحال إذا كانت الاتفاقيات بين الحكومات فالامر معقد اكثر لانه متعلق باتفاقيات ثنائيه ذات طابع دولي.

إني على استعداد لمد أعضاء البرلمان الذين ذكر الاعرجي انهم سيغيرون قانون 23 في أيلول القادم لما يحتاجونه لمعرفة المزيد حول هذا الأمر، لوقف اغتصاب ارض السواد ارض الرافدين قلب الهلال الخصيب. ثم إن هذه الأراضي المغتصبة عادة ما تُزرع لإنتاج محاصيل لتغذية شعوبها، أوحتى لانتاج غلات نقدية أي للبيع أو لإنتاج الوقود الحيوي، ونحن في العراق نعيش فوق بحيرات من البترول والغاز والتي لم تُستغل بعد على الوجه الأكمل.  فما الحكمة في أن نفرط في أرضنا لكل من هب ودب لإنتاج الوقود الحيوي والغذاء لشعوب أخرى غنية. والحقيقة أن بعدا آخر أخلاقيا يجب النظر له في هذه المسألة حيث أننا سنكبل أبناءنا وأحفادنا بحرمانهم من نصيبهم من موارد البلاد. ومعلوم أنه مهما بلغ العائد المادي لهذه الصفقات من الضخامة وأغدق علينا المشترون بالأموال فإننا سنضطر لشراء ما يلزمنا من غذاء من الخارج بكل ما يحمله هذا الخيار من الارتهان لقوى السوق، وتحكم الدول المصدرة، واحتمالات الإصابة بالأمراض المنقولة في المواد الغذائية المستوردة والقادمة من دول المنشأ إذ أن الرقابة على الصادرات مهما تعاظمت فلا تضمن سلامة الغذاء 100%، بنفس قدراتنا على التحكم والراقبة فيما نزرعه وننتجه نحن على أرضنا وتحت سمائنا.

ومن الهام الإشارة لأن العائد الضخم من مثل هذه الصفقات سيتبخر سريعا أويفقد قيمته الشرائية بعد فترة بحكم طبائع الاقتصاد وبحكم أننا نمر كما دول أخرى بأزمة مالية تضرب العالم كله وتتفاقم، وربما ما سنحصل عليه الآن من إيجار وبيع أراضينا (والتي لا أملك فيها شبرا واحدا) بيعها للغرباء لن يساوي بعد عام ثمن حفنة قمح.

18.6.2009
http://www.akhbaar.org/wesima_articles/articles-20090618-71001.html

 طالب مراد