Wednesday, 6 April 2011

الزراعة في كوردستان والعراق - الجزء الأول

أ‌.     المقدمة

في عام 1974، صرح هنري كيسنجر، وزير خارجية الولايات المتحدة في حينه، في مؤتمر الغذاء العالمي في روما بأن ليس هناك طفلاً سيذهب الى النوم وهو جائع خلال العشر سنوات القادمة. وبعد مرور 35 عاماً على ذلك التأريخ، ومن خلال مؤتمر اخر للغذاء العالمي عقد في روما صدر عن المؤتمر تصريح اخر يفيد بان زهاء بليون انسان يذهبون الى النوم وهم جائعين. مع تزايد النمو السكاني العالمي، اصبحت مشكلة انتاج الكميات الكافية من الغذاء  لسد حاجة السكان تزداد تعقيداً وصعوبة والتي يجب على كل بلد في العالم مواجهتها.

ان مسألة الأمن الغذائي اصبحت من اهم المواضيع التي تناقش في مختلف وسائل الاعلام الدولية، ولقد اصبح كل  قطر من اقطار العالم يدرك مدى اهمية هذه المشكلة ،ولكن بعد اشتداد المنافسة على الاراضي والمياه ، توفرت المعلومات التي تشير الى ان هناك تراجع عنيف في النشاط الزراعي العالمي. ان الامن الغذائي اصبح من ابرز التحديات في هذا القرن، وان العديد من بلدان العالم ادركت انه يجب ان تفعل مابوسعها لضمان امنها الغذائي.

ان المتغيرات التي طرأت على الانتاج الزراعي العالمي للأعوام 2007/2008 تسببت في ارتفاع اسعار الكثير من المواد الغذائية مما ادى الى رفع سعر المفرد لهذه المواد في البلدان الغنية وترك اقطاراً اخرى تعاني من المزيد من الجوع. ان ماسبق ذكره فضلأً عن الركود العالمي قد نبه دول العالم الى مسألة الامن الغذائي وان المنافسة على مصادر الغذاء ستزداد حدة. ان مساحة الرقعة الزراعية في مختلف ارجاء العالم محدودة.وان سكان العالم في تزايد مستمر وان انماط استهلاك الغذاء، التغيرات المناخية ومحدودية مصادر المياه سيترتب عليها مشاكل في توفير كميات الغذاء الكافية لسكان العالم الذي من المتوقع يصل عددهم الى 9.2 بليون نسمة بحلول عام 2050.

 ان تزايد اسعار الغذاء يعد بمثابة جرس الانذار للاقطار التي يجب عليها ان تعيد النظر في قطاعاتها الزراعية وفي قدرتها على زيادة انتاجها الزراعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي. ان العديد من اقطار العالم الغنية تبحث عن وسائل التي يمكن من خلالها تحسين وزيادة انتاجها الزراعي، ومايمكن عمله في هذا المجال بالنسبة للبلدان الفقيرة.
لكن على ايه حال هناك بعض البلدان تبحث عن الوسائل البديله لتحقيق الأمن الغذائي من خلال عقود تأجير الاراضي طويلة الأمد او شراء الاراضي الزراعية في البلدان الفقيرة، وهذا مايسمى بانتزاع الاراضي الزراعية. ان إنتزاع الاراضي الزراعية هو عبارة عن عملية الحصول على هذه الاراضي (من خلال التأجير او الشراء) من قبل مؤسسات ضخمة او من بلدان اخرى.
 ان الغرض من ذلك هو استخدام مثل هذه المساحات الزراعية الواسعة (مايزيد عن 10000هكتار) لانتاج الغذاء ثم تصديره بموجب اتفاقيات طويلة الامد ،غالباً ماتكون  لمدة 30-99 عاماً.
تاريخياً، وصفت السودان على انها سلة الغذاء للعالم العربي، بينما وصفت كوردستان بأنها سلة الغذاء للعراق. لكن على ايه حال، تعد السودان من اكبر الاقطار المستفيدة من المعونات الغذائية من برنامج الغذاء العالميWFP، وان زهاء 5.6  مليون نسمة من سكان السودان يتسلمون المعونات الغذائية المقدمة من منظمات الامم المتحدة العاملة في مجال توفير الغذاء، بينما في العراق تقوم وزارة التجارة بصرف زهاء من 5-6 بليون دولار امريكي لشراء مستلزمات الغذاء الأساسية كالطحين، الرز، زيت الطبخ، السكر. لقد دخلت السودان حالياً في عدة اتفاقيات مع اقطار الخليج لاجل قيام مستثمري الخليج بأستغلال الالاف من الهكتارات في الاراضي الزراعية مقابل قيام هذه الدول بأعمال التطوير في السودان.
ان انتزاع الاراضي الزراعية قد حدث في كل من السودان وتركيا وان هذه المسألة قد باتت قريبة من العراق. اذ ذكرت وكالة انباء رويتر بتاريخ 11/11/2009 ان العراق قد قام بأجراء اتفاقية مع شركة خاصة في الامارات العربية المتحدة لتأجير الاراضي الزراعية بموجب اتفاقية طويلة الامد وبمبلغ يفوق عدة مليارات من الدولارات. ان هذه الاتفاقية ستضع العراق ضمن افقر 50 دولة في العالم التي تستهدف ضمن عملية انتزاع الاراضي الزراعية، وفي ايار من عام 2009 قامت منظمة الغذاء والزراعة الدولية  FAOبأضافة العراق الى قائمة الدول 77 الاقل دخلأً في العالم والتي تعاني من نقص الغذاء.
 ان الاقطار الغنية التي لاتمتلك المصادر الزراعية الكافية لتوفير الغذاء لسكانها تخطط وتلجأ الى الحصول على الاراضي الزراعية من الاقطار الفقيرة تحت ذريعة المساعدة في تطوير القطاع الزراعي، توفير الفرص التدريبية، التطوير الاقتصادي وغيرها من الحجج الاخرى. ان الزراعة خارج البلد اصبحت من المصادر الجيدة لتوفير الغذاء واستراتيجية تتبعها البلدان والحكومات التي تعتمد على الاستيراد، كما ان الاراضي الزراعية اصبحت كمصدر جديد للدخل من قبل المؤسسات المالية في ظل تدهور الوضع المالي العالمي. ان هذا التوجه الجديد جلب للاقطار النامية افاق جديدة في مجال التطور الزراعي من ناحية الاستثمار في هذا المجال الواسع من قبل ملاك الاراضي او رؤوس الاموال الضخمة.
ان الهدف الاساسي لهم هو الحصول على اكبر العوائد المالية من خلال تصدير المنتوجات الزراعية .هناك توجه قوي لتوسيع وإعادة تركيب النموذج الزراعي العالمي في الجنوب ويرافق ذلك تدفق راس المال من الجنوب وان مؤتمر الامم المتحدة حول التجارة والتطوير.

قدر انه في عام 2008 سيكون زهاء 40% من راس المال المستثمر عبر الحدود في القطاع الزراعي سيكون باتجاه الجنوب ←الجنوب .
هناك من الحقائق مايشير الى ان في الوقت الحالي هناك اكثرمن  50دولة في العالم مستهدفة من قبل اكثر من 1000مجموعة استثمارية وان زهاء 12 حكومة او مايقارب ذلك جادة في البحث عن الاراضي الزراعية. يشير البنك الدولي الى ان 50 مليون هكتار، مايوازي نصف الاراضي الزراعية، تخضع حالياً لمفاوضات او انه تم التوقيع عليها في كل من افريقيا، اسيا، امريكا اللاتينية وذلك منذ عام 2006. تشير منظمة الغذاء والزراعة الدولية الى ان نحو 20 مليون هكتار من الاراضي الزراعية في افريقيا لوحدها قدتم الاتفاق عليها، بينما تشير مصادر اخرى الى ان المساحة اكبر من ذلك بكثير.  تشير( GRAIN (INGO- المتمركزة في امريكا الى ان نحو 100 مليار دولار قد تم تحريكها بهدف الدفع لهذه الاتفاقيات بينما يشير البنك الدولي الى تقدير متحفظ قدره نحو 50 بليون دولار.
ان دول الخليج قد حصلت على موضع قدم في الاراضي الزراعية في العديد من الدول المجاورة ومنها تركيا. اذ قامت هذه الدول بصرف زهاء 11 مليار دولار امريكي في الاشهر القليلة الماضية ومن المتوقع ان يتضاعف هذا المبلغ قريباً. بينما ترفض بلدان عديدة من دول العالم الثالث هذا النمط الجديد من الاستعمار. فان كل من الشعبين التركي والسوداني لم يبدو عليهم اي اهتمام من هذه الناحية وكان الامر لايعني لهم اي مصدر قلق. وربما يعزى عدم الاهتمام هذا الى ان هذين البلدين يملكان الكثير من المصادر المائية والتي ينظرون اليها كسلعه  يمكن بيعها دون ان ياخذوا بنظر الاعتبار حاجة البلدان المجاورة لمياه هذه الانهر.
ان الاراضي الزراعية في تركيا وسوريا التي يتم استثمارها من قبل دول مجلس التعاون الخليجي ليست بعيدة عن نهري الفرات ودجلة وان تأثير ذلك على مصادر المياه الى اقليم كوردستان والعراق عامة سيبقى رهيناً بالمستقبل.
عند كتابة هذا المقال كانت التقديرات تشير الى ان كل من نهري دجلة والفرات يجهزان العراق بحوالي18  مليار متر مكعب من المياه سنوياً. وان الاانهر والروافد والجداول البالغ عددها 44  والتي كانت تصب من ايران هلى الاراضي العراقيه اما قد جفت مياهها او ان البعض منها يجهز كميات محدودة ان المياه بعد انقضاء الموسم الزراعي. وان هذه الحالة مثال لما هو عليه  نهر الوند. فضلا عن ذلك فان كميات الامطار السنوية الساقطة في اقليم كوردستان اصبحت لايمكن توقع كمياتها، ففي السنوات الاخيرة تناقصت كميات الامطار من 700ملم سنوياً الى450-500 ملم سنوياً. من الحقائق الثابتة ان كل مليون نسمه من البشر يحتاجون الى مليار متر مكعب من الماء سنوياً وان مع تزايد النمو السكاني في العراق وكوردستان سيكون عليهم مواجهة مشكلة رئيسية. انه من الضروري اتخاذ الاجراءات اللازمة للحفاظ على المياه وترشيد الاستهلاك والعمل على تحقيق الاستخدام الامثل للمياه والاراضي الزراعية في البلد.
الجزء الثاني يتبع

No comments: